Saturday, June 23, 2007

النمر والجليد


يخطيء من يصنف روبرتو بنيني كممثل كوميدي فحسب، فهذا الممثل والمخرج الإيطالي المتميز قادر على أن يطرح أكثر القضايا السياسية تعقيدا وجدية في قالب من الكوميديا ، فعبر مسيرة تقرب من ثلاثين عاما إتخذ بنيني الكوميديا كإطار وأدراة تعبير عن فلسفته الخاصة ونظرته إلى العالم.
ولعل هذا ما جعل من أفلام بنيني أعمالا تتسم بالعالمية ،كما في فيلمه الشهير "الحياة حلوة" الذي قدمه عام 1997 ونال عنه جائزة الأوسكار كأفضل أجنبي،حيث فوجأ الجمهور بفيلم يتناول موضوع "الهولوكوست النازي" -وهي قضية تصل إلى حد القداسة في الغرب – بروح كوميدية ، حيث لعب بنيني دور إيطالي يهودي يوضع في إحدى معسكرات الإعتقال النازية مع ولده الصغير ولكنه يمارس حيلة طريفة حيث يصور لولده أن كل ما يجري هو لعبة وأن عليه الإلتزام بقواعدها حتي يكون الفائز الأول!
وفي فيلمه الأخير "النمر والجليد"-الذي أعيد عرضه مؤخرا على إحدى الفضائيات وتسنى لي مشاهدته للمرة الثانية- يعود بنيني مرة أخرى ليطرح مفهومه عن الحرب والسلام من خلال قصة عن الحرب على العراق التي إتخذ موقفا معارضا لها منذ بدايتها ،حيث تدور أحداث الفيلم حول أتيليو (روبرتو بنيني) الأستاذ الجامعي الذي يدرس الشعر لتلاميذه ويسعى لأن يحيا حياة هادئة مع إبنتيه المراهقتين، لكن الإخفاق الأكبر في حياته هو في علاقته مع فيتوريا (نيكوليتا براتشي) المرأة التي يحبها حبا عميقا ولكنه يفشل المرة تلو الأخرى فيإثارة إعجابها .
ولكن التغير الأكبر في حياته يأتي متزامنا مع بداية الحرب على العراق حيث يتلقى إتصالا من صديقه الشاعر العراقي فؤاد (جان رينو) يخبره فيها أن فيتوريا تم نقلها إلى أحد المستشفيات وهي في حالة غيبوبة تامة بعد إصابتها بسبب أحد القذائف الملقاة على بغداد.
يهرع أتيليو إلى العراق رغم توقف كافة الرحلات الجوية إليه ويندس وسط عمال الصليب الأحمر ليصل إلى بغداد، وهناك ورغم تشاؤم كافة الأطباء إلا أن أتيليو يرفض أن يسلم بأن حالة فيتوريا ميؤوس منها ، فيعبر خطوط النار أكثر من مرة ليحضر لها الدواء غير المتوافر في المستشفى ، و في مشهد كوميدي يسخر أتيليو من الحرب الدائرة بسبب النفط حين تتوقف دراجته البخارية فيصيح "نفذ النفط في بلاد النفط".
يدرك المشاهد الذي إستطاع بنيني ببراعة التحكم في إبتسامته وتأثره أن أتيليو ولكونه عاشقا لا يعبأ كثيرا بالحرب القائمة حوله بقدر ما يهتم بإنقاذ فيتوريا ، كما بدا واضحا إحترام بنيني العميق للثقافة العربية ، فنحن نسمع على لسان فؤاد أشعارا للمتنبي والجواهري وناظم حكمت وغيرهم، وحين يخفق الطب الحديث يلجأ أتيليو مع فؤاد إلى حكيم عراقي يدعى الجميلي الذي يرشدهم إلى وصفة تقليدية تنقذ بالفعل حياة فيتوريا.
ولأن بنيني مهتم بالإنسان في المقام الأول فإنه وكما قدم في فيلمه "الحياة حلوة" نموذج الطبيب الألماني الطيب الذي يجبر على خدمة الجيش النازي ، فهنا أيضا لا يدين الجنود الأمريكيين وإنما يقدمهم على أنهم هم أيضا ضحايا لهذه الحرب، أرسلتهم حكومتهم إلى أرض لا يعرفون عنها شيئا، ففي واحد من أجمل مشاهد الفيلم يحمل أتيليو على جسده الأدوية التي جلبها لفيتوريا ولكن الجنود المذعورين يتصورون أنها حزام ناسف، وما أن يتم تفتيشه يهتف قائدهم :"إنه مجرد إيطالي مجنون"، ولا يجد أتيليو طريقة يشرح لهم بها أنه شاعر سوى أن يشبه نفسه بالشاعر الأمريكي الكبير مايك ويتمان.
ولأن الأمل في أفلام بنيني هو دائما الغالب على اليأس فقد إختار أن ينهي هذا الفيلم نهاية سعيدة ، حيث يجتمع العاشقين مرة أخرى رغم كافة أهوال الحرب.لقد جاء فيلم بنيني الذي أخرجه وكتبه له السيناريو وقام ببطولته في وقت ملائم تماما، في زمن غابت فيه عن عالمنا لغة الحوار وصارت القوة هي المنطق الوحيد

2 comments:

بن توفيق said...

مدونتك جميلة وموضوعك ده جميل جدا

وانا والله اتشرف انى شفتك فى المؤتمر

:)

عماد حبيب said...

لقد شاهدت الفلم و هو فعلا رائع بكل المقاييس

و كنت قد كتبت عنه أيضا

أنا أيضا من أشد المعجبين ببنيني