Wednesday, June 06, 2007

في ذكرى النكسة:أكذوبة إلقاء إسرائيل في البحر


في حوار صحفي أجري معه في أوائل السبعينات تقريبا ، قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أن "العرب أمة لا تقرأ"، ولو أتيح للمرء أن يضيف إلى جملة ديان لكانت كالتالي :"إن العرب أمة لا تبحث".
فنحن حقا لا نبحث في تاريخنا ، خاصة ما يتصل بصراعنا مع إسرائيل بل صرنا بفعل دعاية مركزة ونشطة للغاية نردد نفس مقولات العدو التقليدية عن ذاته وعن أنفسنا .
ويتضح هذا بجلاء شديد حين يناقش العرب حقيقة ما حدث في يونيو (حزيران) 1967 ، فلازال البعض منا يحمل العرب مسؤولية "بدء الحرب" ويردد نفس مقولة العدو الإسرائيلي أن العرب-وعلى رأسهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر- هددوا بإلقاء إسرائيل في البحر.
ولكن ما مدى صحة هذه العبارة ؟ هل هدد العرب حقا في أي جولة من جولات صراعهم مع إسرائيل بإلقاءها في البحر؟ وهل يعني هذا –بالضرورة- أن إسرائيل في حالة دفاع عن ذاتها ووجودها في حرب عام 1967 ؟
بداية،علينا أن نقر أن إسرائيل نجحت في أن ترسم لنفسها صورة في العقل الجمعي الغربي بفضل دعايتها الإعلامية كدولة صغيرة محاطة بالأعداء من كافة الجهات المتأهبين للقضاء وتم توظيف المحرقة النازية في إطار هذه الصورة لتصوير أن هدف العرب-كالنازيين- هو إبادة اليهود.
ولكن الوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك ، ففي نكبة عام 1948 التي أسمتها إسرائيل "حرب الإستقلال" وصورتها حربا بين 7 جيوش عربية وإسرائيل الدولة الصغيرة الناشئة ، لم يواجه الصهاينة الأوائل في حقيقة الأمر سوى حوالي 25 ألف جندي عربي وفي المقابل كانت العصابات الصهيونية قد دربت وسلحت حوالي 65 ألف مقاتل بأحدث الأسلحة.
وفي حرب السويس عام 1956 كانت إسرائيل هي البادئة بالعدوان بإعتراف قادتها أنفسهم، أما عدوان يونيو (حزيران) 1967 فسبقته عملية دعاية واسعة إستطاعت إجتذاب تعاطف واسع في الغرب لصالح إسرائيل المهددة بأن "تلقى في البحر".
في كتابه "المثلث المحتوم:أمريكا وإسرائيل والفلسطينيين" ينقل المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي عن الجنرال عيزرا وايزمان قائد سلاح الجو الإسرائيلي في ذلك الوقت أن إسرائيل "لم تواجه أبدا خطر الإبادة" ويضيف شهادة أخرى لمناحم بيجين ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "في يونيو 1967 كان أمامنا مرة أخرى الخيار،إن تجمعات الجيش المصري في سيناء لم تكن دليلا على نية ناصر في مهاجمة إسرائيل ، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، نحن من قررنا مهاجمته".
وفي عام 1973 وجه عضو البرلمان البريطاني كريستوفر مايهو تحديا فريدا من نوعه لأنصار إسرائيل ، فقد عرض مايهو أن يقوم بدفع مبلغ خمسة ألاف جنيه جنيه إسترليني لمن يستطيع أن يأتيه بأي دليل تاريخي يثبت أن الرئيس عبد الناصر هدد بالفعل بالقاء إسرائيل في البحر.
وكرر مايهو التحدي في مجلس العموم البريطاني بل وقام بتوسعته مطالبا بأي دليل تاريخي على ذكر هذا التهديد على لسان أي زعيم عربي.
وتسبب تحدي مايهو المتكرر في إستدعائه للمحاكمة في العام التالي من قبل مناصر لإسرائيل يدعى وارين بيرجسون ،وبعد جلسات إستماع عدة ،إعترف بيرجسون في نهاية المطاف وتحديدا في فبراير عام 1976 وأمام المحكمة العليا البريطانية بعدم قدرته-بعد إجرائه بحثا مطولا- على أن يجد عبارة واحدة من أي زعيم عربي –وبخاصة عبد الناصر- يمكن أن توصف بأنها تهديد بإبادة إسرائيل.
ولكن الحقيقة التي لا تشأ إسرائيل الإعتراف هي أن العرب لم يهددوا أبدا بإلقائها في البحر، وإنما هي التي ألقت-بالمعنى الحرفي للكلمة- بألاف الفلسطينيين إلى البحر،إذ يذكر الرائد ر.د ويلسون وهو ظابط في سلاح الجو البريطاني كان متواجدا في حيفا لدى دخول العصابات الصهيونية إليها عام 1948 أن "عشرات الألوف من العرب الذي كان في حالة من الذعر إندفعوا هاربين من حيفا، ولم تكن رحلتهم دون مخاطر، فقد كانوا عرضة لهجمات من قبل اليهود طوال الوقت".
ولم يكن أمام هولاء الألاف سوى أن يلجأوا إلى البحر محاولين النجاة بحياتهم عبر القوارب المتجهة إلى قطاع غزة وإلى مصر، وكان المشهد المعاكس تماما لكل ما إدعته إسرائيل طويلا ، فقد كان الفلسطينيون هم من هرب إلى البحر وكانت نيران الصهاينة المفتوحة وراءهم .ولعل من المهم هنا أن نذكر بمقولة العالم المصري الراحل الدكتور جمال حمدان :"العرب لم يلقوا بإسرائيل إلى البحر ولكن إسرائيل هي التي ألقت شعبا بأكمله إلى الصحراء".

No comments: