Sunday, January 21, 2007

انتفاضة الرغيف على شاشة السينما

"كل ما تهل البشاير
من يناير كل عام
يدخل النور الزنازين
يطرد الخوف والظلام"
أحمد فؤاد نجم
رغم أهمية ما حدث في 18 و19 يناير عام 1977 في التاريخ المصري المعاصر باعتبارها انتفاضة شعبية توحدت فيها الجماهير –للمرة الأولى منذ ثورة 1919-على هدف واحد وشعارات محددة ، الا ان هذا الحدث على أهميته لم يحظ بالاهتمام الكافي في السينما المصرية ، فعدد الأفلام التي تناولت انتقاضة يناير محدود للغاية وبعضها أشار الى الأحداث بشكل عابر دون التوقف عندها مثل فيلم "الأخر" مثلا للمخرج يوسف شاهين حيث يأتي على لسان البطلة حنان "حنان الترك" أن أباها قتل في انتفاضة يناير 1977 "اتداس بالجزم وهو بيطالب بلقمة العيش" و بطبيعة الحال فلم تزد انتفاضة يناير في فيلم "أيام السادات" عن بضعة لقطات قصيرة تظهر فيها اعمال العنف التي صاحبت التظاهرات ليظهر الرئيس السادات "أحمد زكي" في المشهد التالي ليعلن عدوله عن قراره بالغاء الدعم عن السلع الأساسية الذي تسبب في احداث الشغب.
ويمكن القول ان انتفاضة 18 و19 يناير 1977 لم تشكل الحدث الرئيسي سوى في فيلمين مصريين هما "زوجة رجل مهم" للمخرج "محمد خان" و"الهجامة" للمخرج "محمد النجار" ،ففي كلا الفيلمين برزت انتفاضة الخبز كخلفية للأحداث وكذروة للصراع بين شخصيات الفيلمين.
في فيلم "زوجة رجل مهم" الذي قدمه محمد خان عام 1987 وكتب له السيناريو رؤوف توفيق نشاهد الصدام بين عصرين ، عصر الأحلام والرومانسية وصوت عبد الحليم حافظ متمثلا في شخص الزوجة الرقيقة منى "ميرفت أمين" التي تقترن بضابط الشرطة هشام "أحمد زكي" الذي يستمر في الترقي في عمله بفضل أساليبه العنيفة مع المتهمين الى أن يتم تعيينه في مباحث أمن الدولة ، ونرى ان أساليب هشام البوليسية تمتد الى علاقته بزوجته أيضا فهو يستخدمها للايقاع بالطلبة الناشطين سياسيا ويجبرها على مصادقة زوجة رئيسه ليضمن ترقية ، وفي خضم تقرب هشام الى رؤسائه بمن فيهم أثرياء الانفتاح الاقتصادي ، تقع احداث يناير 1977 ويحول هشام منزله الى مكان لمتابعة التحقيقات التي كانت في اغلبها شكلية ويتجاهل طلبا من احدى قريباته لمحاولة الافراج عن ابنها الذي اعتقل خطأ خلال التظاهرات ، ولكن كل ذلك لا يشفع لهشام عند النظام الذي يقيل بعض الظباط حفاظا على صورته، فيحال هشام ورئيسه الى التقاعد ، ولكنه يستمر في ممارسة القمع على زوجته واثقا بأنه سيعود الى منصبه بعد ان يصدر الحكم في القضية ، لكن الحكم التاريخي الذي صدر والذي برأ المتهمين وحمل مسؤولية الأحداث للنظام يطيح بأخر أمل لديه للعودة الى عمله ، فتنتهي الأحداث بانتحاره بعد أن يقتل والد زوجته في لحظة يأس.
أما فيلم "الهجامة" الذي انتج عام 1991 وأخرجه محمد النجار وكتب السيناريو أسامة انور عكاشة ، فيدور حول نوسة "ليلى علوي" الهجامة أو محترفة سرقة الشقق التي تتم خطبتها لابن خالتها سيد (هشام سليم) ويشتركان في سرقة الشقق لكن ثمة لص أكبر هو المعلم عربي (حسن حسني) الذي يهدد حياتهما مما يضطر سيد للهرب بالمسروقات في حين تدخل نوسة السجن، تقضي نوسه سنتين في السجن. يتصادف اندلاع مظاهرات 18 و19 يناير يوم الإفراج عنها، ويبرز الفيلم "شهية جنود الأمن المفتوحة للضرب " على حد تعبير السيناريو ، وفي نفس الأثناء يعود سيد من الخارج بثروة بعد أن احتكر ادخال الهيرويين الى مصر ولكنه يتحالف مع عدوه السابق المعلم عربي الذي اثرى هو الأخر من جراء سياسة الانفتاح الاقتصادي ، وان كان زوجة رجل مهم قد أشار الى الرئيس السادات تلميحا لا تصريحا فان الهجامة كان أكثر مباشرة في التعامل مع شخص الرئيس السادات ، ففي الوقت الذي تحبس فيه نوسة مرة أخرى مع مجموعة من الطلبة المتظاهرين من بينهم شقيقتها لولا (سيمون) ، نرى سيد والعربي مجتمعين في قاعة تظلها صورة ضخمة للسادات ، يشير العربي الى صورة الرئيس قائلا:"الراجل ده هايل ، نوري ومفتح وابن بلد وما بيحبش الفقر ولا الفقرية"!
تكتسب نوسة من شقيقتها وزميلاتها وعيا جديدا لم تدركه من قبل ، انهن يحلمن ويعملن من أجل غد أفضل لا تضطر فيه الفتيات من امثال نوسة للسرقة ، وهنا يفرد الفيم بشكل مبالغ فيه مساحة كبيرة لمشاهد تعذيب نوسة والتي تخرج من السجن لتسلم رسائل سرية من الطالبات السجينات إلى ذويهم لكنها تقع في خطأ قاتل حين يتعبها المخبرون فيكتشفون مخبأ أحد الطلبة الذي يرتبط مع شقيقتها بعلاقة عاطفية ويقتل على يدهم، يرسم العربي خطة لينتقم من سيد فيدفع لولا إلى الإدمان وتموت بعد تجرعها كمية كبيرة، تنهار نوسه وتطلب معاونة العربي للانتقام من سيد بعد أن تظن أنه السبب و تقوم بحرق المخزن وهو بداخله وبذلك تنجح خطة العربي ولكنه عن نوسة فيقبضون عليها ، ولكن الفبلم يعود ليطمئن المشاهد قبل نهايته ان الحكم الذي صدر بحق سجناء 18 و19 يناير 1977 اعتبر ان ما جرى في هذين اليومين لم يكن انتفاضة "حرامية" بل انتفاضة شعبية ضد الجوع والقهر والغلاء.
تميز فيلم "زوجة رجل مهم" بلغة سينمائية بليغة وراقية وبمسحة رومانسية غلفت الفيلم رغم موضوعه السياسي في حين حفل فيلم "الهجامة" بعشرات من مشاهد العنف المجاني والمكرر مما أثر عى موضوعه.
بشكل عام يمكن القول ان السينما لم تؤرخ لما حدث في يناير 1977 بالشكل الكافي وربما نرى في السنوات القادمة أعمالا سينمائية أخرى تعرض هذا الحدث بالشكل اللائق
.

1 comment:

أبو نزار عبد الرحمن الشرقاوى said...

عسى أن نرى انتفاضه يناير جديده على أرض الواقع لا شاشات السينما