لا يمكنك أن تعرف أهمية الضوء إلا إذا قارنته بالظلام ، فالشي لا يعرف إلا بنقيضه .
قد تكون هذه العبارة هي المدخل المناسب لفهم العرض المسرحي "ولد وبنت وحاجات" الذي يقدمه مجموعة من شباب المسرح بإحدى قاعات مسرح السلام،العرض الذي جاء نتيجة لتعاون مجموعة من الشباب بداية من مؤلفة العرض رشا عبد المنعم مرورا بأبطاله شادي الدالي وأية محمود حميدة وبيومي فؤاد وإنتهاءا بمخرجه هاني عفيفي سعى إلى أن يقدم محاولة صادقة لإجابة سؤال هام :هل لازال للحب بمفهومه الرومانسي الحالم مكان في زماننا؟ أم أنه –كأشياء كثيرة في حياتنا- فقد معناه وتم تفريغه من محتواه؟
لجأ كل من المؤلفة والمخرج من البداية إلى وضع كل مفهوم أمام نقيضه لإبراز معناه الحقيقي ، فنرى في بداية العرض الفتاة (أية حميدة) وكل ملامح وجهها تنطق بالحزن ولكنها تصر على أنها "سعيدة ...والله العظيم أنا سعيدة" وفي المقابل نرى الشاب (شادي الدالي) وهو يقهقه ضاحكا ورغم ذلك يقول :"أنا مكتئب جدا"!
يستمر هذا التناقض بين تعبيرات الشاب والفتاة ويدرك المشاهد بشكل تلقائي أنهما وجهان لعملة واحدة ، فالفتاة تحاول –عبثا- أن تحسب كبف بكفيها مرتبها الضئيل والذي لا يتجاوز 400 جنيه على أفضل تقدير لمصروفات شهر كامل في حين يقف الشاب مرددا أن الشعب المصري هو الأجمل والأفضل والأشمل والأفعل ...الخ من صفات التفضيل وكأنه الإعلام الرسمي المضلل الذي يتغنى بالأمجاد في حين أن الواقع-ممثلا في حال الفتاة-يدعو إلى الرثاء.
تستمر هذه اللقطات المتناقضة طيلة الجزء الأول من العرض ، إلى أن يقف الرجل المسن (بيومي فؤاد) على طريقة المسرح البريختي القائم على كسر الإيهام معترضا على يقدمه الشاب والفتاة ، وحجته في ذلك تبدو منطقية :إن الجمهور ليس بحاجة إلى مزيد من الإحباط ، إنه بحاجة إلى الأمل ، لذلك فلنتحدث عن شي أجمل ....كالحب.
ولكن المسن الذي لازال يعيش وسط مفردات عصره ممثلا في جهاز الجرامافون وأغنيات أم كلثوم وإقتباسات متكررة من كتاب "طوق الحمامة" لإبن حزم الأندلسي ، لايدرك أن الحب قد تغير مفهومه كما تغير معناه
هنا ينقسم المسرح إلى قسمين ، المسن في أعلى المسرح –أو قل الذاكرة-في حين نرى الشاب والفتاة في أسفل المسرح ، ليستمر التناقض بينهم وبين المسن أو الأمس والحاضر
فالرجل الذي يقرأ من مذكراته بشكل مستمر ويذكر تواريخ وأياما ذات دلالة مثل يونيو 1967 واكتوبر 1973 ويناير 1977 يتحدث عن الجهد البالغ الذي بذله لمجرد ترتيب لقاء مع محبوبته وفي المقابل نرى كيف يتعرف الشاب والفتاة بشكل فائق السرعة عبر شبكة الإنترنت .
وأيضا حين يتحدث المسن عن رغبته في أن يبدأ علاقته مع حبيبته بالصراحة التامة نرى الشاب والفتاة وقد بدأ كل منهما معرفته بالأخر بكذبة سواء كانت تتعلق بالمظهر أو العمل او غير ذلك.
عبر مجموعة من المشاهد-أو قل اللقطات- المتتالية ندرك مع شخصيات العرض أن جملا رومانسية مثل "أنت العالم بالنسبة لي" صارت بلا أي معنى حقيقي ، فالعالم لم يعد مكانا جميلا لتقارن الحبيبة به كما توحي عناوين الأخبار التي يتابعها الشاب والفتاة في فزع واضح.
بل إن كلمة "أحبك" نفسها تفقد معناها في زخم الحياة اليومية ، وتتحول من إعتراف رقيق إلى تحية باردة إلى صيحة في شجار يومي.
يدرك كلا العاشقين الشابين أنهما لا يستطيعان مجاراة المسن في كتابته مذكراته ،فليس في حياتهم ما يستحق التسجيل باستثناء مواعيد العمل والنوم والطعام فحياتهم كما يصفها الشاب "فاضية"، فارغة حتى من المشاعر.
يضعنا المسن أمام الحقيقة حين يقول إننا نشعر بالبرد حين نفتقد شخصا نشعر بالدفء في جواره، ويشير إلى مذكراته قائلا "لذلك ،أصبحت ككل شىء في هذا البلد،أتدفأ بذكريات الماضي".رغم البساطة الشديدة في كافة عناصر العرض من ديكور وإضاءة وغيرها، إلا أن المشاهد يغاد قاعة العرض وهو يدرك أن البساطة والتلقائية والبعد عن الإفتعال بما في ذلك أداء الممثلين و التي كانت سمة عرض الأساس ،هي السبب الرئيسي في تلك الحالة من الدفء التي شاعت في قاعة العرض الصغيرة
قد تكون هذه العبارة هي المدخل المناسب لفهم العرض المسرحي "ولد وبنت وحاجات" الذي يقدمه مجموعة من شباب المسرح بإحدى قاعات مسرح السلام،العرض الذي جاء نتيجة لتعاون مجموعة من الشباب بداية من مؤلفة العرض رشا عبد المنعم مرورا بأبطاله شادي الدالي وأية محمود حميدة وبيومي فؤاد وإنتهاءا بمخرجه هاني عفيفي سعى إلى أن يقدم محاولة صادقة لإجابة سؤال هام :هل لازال للحب بمفهومه الرومانسي الحالم مكان في زماننا؟ أم أنه –كأشياء كثيرة في حياتنا- فقد معناه وتم تفريغه من محتواه؟
لجأ كل من المؤلفة والمخرج من البداية إلى وضع كل مفهوم أمام نقيضه لإبراز معناه الحقيقي ، فنرى في بداية العرض الفتاة (أية حميدة) وكل ملامح وجهها تنطق بالحزن ولكنها تصر على أنها "سعيدة ...والله العظيم أنا سعيدة" وفي المقابل نرى الشاب (شادي الدالي) وهو يقهقه ضاحكا ورغم ذلك يقول :"أنا مكتئب جدا"!
يستمر هذا التناقض بين تعبيرات الشاب والفتاة ويدرك المشاهد بشكل تلقائي أنهما وجهان لعملة واحدة ، فالفتاة تحاول –عبثا- أن تحسب كبف بكفيها مرتبها الضئيل والذي لا يتجاوز 400 جنيه على أفضل تقدير لمصروفات شهر كامل في حين يقف الشاب مرددا أن الشعب المصري هو الأجمل والأفضل والأشمل والأفعل ...الخ من صفات التفضيل وكأنه الإعلام الرسمي المضلل الذي يتغنى بالأمجاد في حين أن الواقع-ممثلا في حال الفتاة-يدعو إلى الرثاء.
تستمر هذه اللقطات المتناقضة طيلة الجزء الأول من العرض ، إلى أن يقف الرجل المسن (بيومي فؤاد) على طريقة المسرح البريختي القائم على كسر الإيهام معترضا على يقدمه الشاب والفتاة ، وحجته في ذلك تبدو منطقية :إن الجمهور ليس بحاجة إلى مزيد من الإحباط ، إنه بحاجة إلى الأمل ، لذلك فلنتحدث عن شي أجمل ....كالحب.
ولكن المسن الذي لازال يعيش وسط مفردات عصره ممثلا في جهاز الجرامافون وأغنيات أم كلثوم وإقتباسات متكررة من كتاب "طوق الحمامة" لإبن حزم الأندلسي ، لايدرك أن الحب قد تغير مفهومه كما تغير معناه
هنا ينقسم المسرح إلى قسمين ، المسن في أعلى المسرح –أو قل الذاكرة-في حين نرى الشاب والفتاة في أسفل المسرح ، ليستمر التناقض بينهم وبين المسن أو الأمس والحاضر
فالرجل الذي يقرأ من مذكراته بشكل مستمر ويذكر تواريخ وأياما ذات دلالة مثل يونيو 1967 واكتوبر 1973 ويناير 1977 يتحدث عن الجهد البالغ الذي بذله لمجرد ترتيب لقاء مع محبوبته وفي المقابل نرى كيف يتعرف الشاب والفتاة بشكل فائق السرعة عبر شبكة الإنترنت .
وأيضا حين يتحدث المسن عن رغبته في أن يبدأ علاقته مع حبيبته بالصراحة التامة نرى الشاب والفتاة وقد بدأ كل منهما معرفته بالأخر بكذبة سواء كانت تتعلق بالمظهر أو العمل او غير ذلك.
عبر مجموعة من المشاهد-أو قل اللقطات- المتتالية ندرك مع شخصيات العرض أن جملا رومانسية مثل "أنت العالم بالنسبة لي" صارت بلا أي معنى حقيقي ، فالعالم لم يعد مكانا جميلا لتقارن الحبيبة به كما توحي عناوين الأخبار التي يتابعها الشاب والفتاة في فزع واضح.
بل إن كلمة "أحبك" نفسها تفقد معناها في زخم الحياة اليومية ، وتتحول من إعتراف رقيق إلى تحية باردة إلى صيحة في شجار يومي.
يدرك كلا العاشقين الشابين أنهما لا يستطيعان مجاراة المسن في كتابته مذكراته ،فليس في حياتهم ما يستحق التسجيل باستثناء مواعيد العمل والنوم والطعام فحياتهم كما يصفها الشاب "فاضية"، فارغة حتى من المشاعر.
يضعنا المسن أمام الحقيقة حين يقول إننا نشعر بالبرد حين نفتقد شخصا نشعر بالدفء في جواره، ويشير إلى مذكراته قائلا "لذلك ،أصبحت ككل شىء في هذا البلد،أتدفأ بذكريات الماضي".رغم البساطة الشديدة في كافة عناصر العرض من ديكور وإضاءة وغيرها، إلا أن المشاهد يغاد قاعة العرض وهو يدرك أن البساطة والتلقائية والبعد عن الإفتعال بما في ذلك أداء الممثلين و التي كانت سمة عرض الأساس ،هي السبب الرئيسي في تلك الحالة من الدفء التي شاعت في قاعة العرض الصغيرة
No comments:
Post a Comment