Wednesday, May 16, 2007

الريح التي تهز الشعير


لدى توجهي لمشاهدة فيلم "الريح التي تهز الشعير the wind that shakes barley" لم أستطع منع نفسي من التساؤل :لماذا يستمر عرض ذات قيمة فنية عالية في مصر مثل هذا الفيلم أو فيلم "صانع الوهم the illusionist " أو "العطر the perfume" دون إهتمام إعلامي يذكر ، وكأنها تعرض سرا؟
أكثر من سبب جعلني مهتما بمشاهدة هذا الفيلم ، ليس أقلها أنه للمخرج البريطاني المخضرم "كين لوش" صاحب رصيد سينمائي يتجاوز الأربعين فيلما بالاضافة الى عدد من الأعمال التلفزيونية ، وعرف على مدى أربعين عاما تقريبا بأفلامه ذات المضمون السياسي المباشر مثل "الأرض والحرية" عام 1995 و"الخبز والورود" عام 2000 بالاضافة الى قيامه بإخراج أحد فصول الفيلم الفرنسي "11 -9-2001" وقدم فيه أكثر الفصول إثارة للجدل حين قام بمقارنة ما حدث في 11 سبتمبر 2001 في أمريكا بما حدث في نفس اليوم من عام 1973 في شيلي حين ساندت الولايات المتحدة إنقلابا دمويا أطاح بالديمقراطية وحصد أرواح 3000 شيلي.
هذا بالاضافة الى موضوع الفيلم الذي يتناول أحداث و وقائع هامة في مسيرة النضال الايرلندي ، وهو ما يضعنا المخرج في أجوائه مباشرة دون مقدمات كثيرة ، ففي بداية الفيلم نشاهد داميان (سيليان مورفي) الطبيب الايرلندي المتفوق يلهو مع أصدقائه وأبناء قريته في مباراة لكرة القدم ، ورغم أن تجمعهم لم يتضمن أكثر من لعب الكرة الا الجنود الاحتلال الإنجليز سرعان ما يحاصرونهم تحت حجة "أن كافة التجمعات محظورة ، بما في ذلك الألعاب" ويتم إذلال الرجال أمام أسرهم بإجبارهم على خلع ثيابهم ،بل إن الأمر يتطور الى تعذيب شاب مراهق حتى الموت لمجرد أنه رفض أن ينطق إسمه بالإنجليزية.
وخلال جنازة الشاب ، يبدو واضحا الإنقسام بين داميان وشقيقه تيدي (بادريك ديلاني) حول جدوى العمل المسلح ضد الاحتلال ، ففي حين يؤمن به تيدي ورفاقه بمن فيهم سينيد (أورلا فيتزجيرالد) -الفتاة التي يرتبط بها داميان عاطفيا- فإن داميان أنه لن يجدي نفعا مع إمبراطورية بحجم بريطانيا.
لكن داميان سرعان ما يتغير هو أيضا بعد أن يرى الجنود الإنجليز وهم يهينون ويضربون سائق القطارات دان (ليام كونينجهام) لرفضه أن يركبوا القطار، فينضم كلاهما إلى صفوف المقاومة المسلحة متمثلة في "الجيش الجمهوري الإيرلندي" ويخوضان بقيادة تيدي حرب عصابات شرسة ضد الوجود الإنجليزي في إيرلندا.
وفي جمل حوارية بارعة صاغها كاتب السيناريو بول لافيرتي ، يقدم صناع الفيلم رؤيتهم لقضية الديمقراطية من خلال مواجهة بين داميان وضابط إنجليزي ، فحين يصف الضابط داميان بأنه "قاطع طريق ومجرم" يصيح داميان في وجهه :"لا ،أنا ديمقراطي، لقد صوتت أغلبية الشعب لحزب الشين فين المطالب بالاستقلال وجئتم أنتم لتقمعوا البرلمان وتصادروا الصحف، إن الديمقراطية الحقيقية هي أن تخرجوا من بلادي".
ولكن الفيلم لا يقدم قصة ثورة بقدر ما يطرح محاولة لإجابة السؤال التاريخي :لماذا يتحول الثوار عن مسارهم حين يصلون إلى السلطة ، وتصبح ممارساتهم مرأة لممارسة المستعمر السابق؟
يقدم الفيلم الإجابة على لسان دان ذو التوجه اليساري –الذي يصوره لوش على أنه الناطق بلسان الشعب- حين يقول أن أفة الثورة هي أن الجيش الجمهوري الإيرلندي ينحاز لطبقة كبار الملاك على حساب الفقراء من أمثالي ، ويقتبس من أحد الزعماء الإيرلنديين قوله:"يمكننا أن نطرد الإنجليز وأن نرفع العلم الأخضر في العاصمة دبلن ولكن إن لم نقم جمهورية تضمن العدالة الإجتماعية ، فسيظل الإنجليز يتحكمون بنا".
وتصدق توقعات دان حين يوقع القائد الإيرلندي مايكل كولينز معاهدة مع الإنجليز تمنح إيرلندا إستقلالا شكليا في حين يبقى البرلمان الإيرلندي وإقليم إيرلندا الشمالية تحت سيطرة لندن، فتندلع حرب أهلية بين مؤيدي المعاهدة ومنهم تيدي وبين معارضيها ومنهم داميان ، ليصبح الأخ في مواجهة مع أخيه بالمعنى الحرفي للكلمة.
ويستخدم المخرج المقابلة في عدة مشاهد ليسخر من ممارسات ثوار الأمس الذي أصبحوا حكام اليوم، فمؤيدو المعاهدة المسلحين من قبل الحكومة البريطانية يكررون نفس ممارسات الإنجليز مع الأهالي ، ومعارضو المعاهدة يهاجمون نفس الثكنات الإنجليزية التي صارت مقرا للمؤيدين، لينتهي الفيلم بمشهد دموي للغاية.
تبدت براعة المخرج في قدرته على توجيه التصوير في المشاهد الخارجية التي صور أغلبها على الطبيعة في إيرلندا ، ولكن الكاميرا كانت تفقد تميزها في المشاهد الداخلية كما في بعض المشاهد التي بدت أقرب الى التقرير المصور.عقب إنتهاء الفيلم لن يسعك الا أن تتساؤل:إلى متى تبقى الأفلام ذات الإنتاج الأوروبي –كهذا الفيلم- بعيدة عن متناول المشاهد المصري الذي لازال يخضع لسطوة الفيلم الأمريكي والأمريكي فقط؟

No comments: