Tuesday, June 20, 2006
أوقات فراغ
سينما الشباب" مصطلح أخذ يتردد على الساحة السينمائية المصرية بقوة منذ النجاح الذي فيلم "اسماعيلية رايح جاي" عام 1999 فاتحا الباب لموجة من الأفلام التي طبعت كلها بسمة أنها "شبابية" ، الا أن أغلب أفلام هذة الموجة لم تكن شابة سواء في أفكارها أو في الموضوعات التي قامت بطرحها فقد ظلت تعتمد على تقليدية ومستهلكة ، وظل الشباب الذي يتحدث الجميع باسمه مغيبا عن الشاشة أو غير ممثل بصورته واحلامه ومشكلاته الحقيقية بعيدا عن "التزويق" السينمائي.
ومن هنا تأتي خصوصية وأهمية الفيلم السينمائي "أوقات فراغ" الذي يمثل بحق مغامرة فنية خاضها بجرأة منتج عاشق للسينما هو المنتج حسين القلا حيث قدم فيلما صناعه وأبطاله بالكامل من الشباب ، بداية من كتاب سيناريو الفيلم عمر جمال ومحمود محمد اللذان لم يتجاوز أي منهما التاسعة عشرة من عمره ومرورا بأبطال الفيلم الستة (أربعة شبان وفتاتين) اللذين يقفون –باستثناء راندا البحيري- أمام الكاميرا للمرة الأولى وانتهاء بمخرج الفيلم محمد مصطفى الذي يعد الفيلم تجربته الاخراجية الأولى .
الفيلم ببساطة يقدمه شابان عن جيلهما وأول ما ستلاحظه لدى مشاهدك الفيلم هو أن صناعه قدموا لغة الشباب في تخاطبهم مع بعضهم البعض كما هي بدون أية رتوش مما جعلها صادمة للمشاهد الذي يسمعها للمرة الأولى .
يقدم الفيلم عدة نماذج لشبان في مرحلة الدراسة الجامعية وينتمون في أغلبهم الى الطبقة الوسطى وان اختلفت طبيعة علاقة كل منهم مع أسرته
فعمرو (كريم قاسم) يقيم مع والدته(سلوى محمد علي) وشقيقته بعد انفصال والده عنهم وزواجه بامراة اخرى ، ويبدو واضحا انفصال عمرو عن أسرته فهو يقضي معظم وقته امام جهاز الكمبيوتر في مشاهدة الأفلام الاباحية ويرفض اصطحاب شقيقته الصغيرة الى أي مكان ويقضي معظم وقته مع صديقيه أحمد (عمرو عابد) الذي يعاني من رقابة والده الموظف المتقاعد ويصيبه الاحباط لرؤية شقيقه الأكبر الذي انهى دراسته ولم يعثر على عمل بعد ويصفه احمد ساخرا بأنه "صايع بالبكالوريوس" وحازم (أحمد حاتم) وهو الأكثر ثراء بينهم والمدلل من قبل أبيه وأمه ولذلك يعتمد عليه صديقيه لامتلاكه سيارة وشقة خاوية مما يمكنهم من تناول المخدرات واحضار العاهرات الى الشقة ليمارسوا طقس "التظبيط" كما يسمونه.
وتتبدى طبيعة حازم في علاقته بمنة (راندا البحيري) التي "يصاحبها" بالمعنى المتداول للكلمة بين الشباب، ومنة نموذج أخر لمشكلة التذبذب وعدم الاستقرار التي سعى المؤلفان الى تأكيد وجودها بين الشباب فهي ترتدي الخمار يوما ثم تخلعه في اليوم التالي وتقيم علاقة مع حازم ثم تنهيها ثم تعود اليه من جديد ثم ينتهي بها الحال في نهاية الفيلم وهي ترتدي الخمار مرة اخرى لأسباب اجتماعية بحتة لا علاقة لها بالتدين
وعلى الجانب الأخر نرى شخصية مي (صفا تاج الدين) طالبة الطب غير المحجبة التي يقدمها الفيلم على أنها الشخصية الأكثر نضجا فهي ترتبط بعلاقة عاطفية بأحمد ولكنها تتجاوزها الى علاقة أقرب الى التبني فهي توبخ احمد لعدم اهتمامه بدراسته أو لكذبه عليها وحين تواجهها زميلتها بانها تعامل أحمد كما لو كانت أمه تقول ببساطة :"أنا فعلا حاسة انه ابني، تخيلي لما يبقى عندك ابن في سنك"!
فراغ وتيه:
يأتي التحول في مسار الفيلم على ثلاث مراحل ، أولها علاقة حازم بمنة التي ينصرف عنها بعد أن يواقعها ، ولكن ضغوط اسرته وأسرتها والتي تصل الى ساحة القضاء تجبره على الزواج منها، لكن حتى هذا الزواج القصير ينهيه حازم بجملة يرددها : " ما اقدرش أتجوز واحدة غلطت معاها" أنه مفهوم الشرف القاصر مرة أخرى المتوارث في مجتمعنا الذي يحصر الشرف في عذرية الفتاة فقط ولا يلزم الرجل بأي شي وهو مفهوم يدينه الفيلم من خلال سلوك حازم ومن خلال سلوك مي التي تتعرض لموقف مشابه مع أحمد ولكنها ترفض أن تتعدى علاقتهما الحدود التي رسمتها من قبل فتنصرف:"انا واثقة في نفسي اكتر منك لكن ما اقدرش اقعد معاك" وكأن السيناريو يؤكد من جديد على خطأ الفكرة الشائعة في المجتمع المصري وهي تقييم الفتيات على اساس مظهرهن (محجبة أم غير محجبة؟)
ويأتي التحول الثاني حين يكتشف والد احمد حقيقة ادمانه للمخدرات فيطرده من المنزل ، فيسعى الى ايجاد عمل ليصطدم بواقع لم يتخيله حين يجد من هم اكبر منه سنا واكثرمنه خبرة لا يجدون عملا أيضا "لما كل دول مش لاقيين شغل ، امال أنا هاعمل ايه؟" وهو نفس ما يواجهه عمرو حين يقرر التمرد على وجوده في كلية الهندسة التي فرضها عليه ابيه ويعلن انه يحب الكتابة ويريد الالتحاق بكلية الاعلام للعمل في مجال الصحافة فتواجهه أمه قائلة : "لكن أنا عمري ما شفتك بتكتب حاجة" متسائلة عما اذا كان يحب الكتابة حقا أم يسعى الى التمرد على ابيه فحسب ، ويلجا عمرو الى احد أقربائه العاملين بالصحافة ولكن يواجه موقفا مشابها لما واجهه احمد ليكتشف الشبان أن العجز هو القاسم المشترك بينهم فهم لا يعرفون ما يريدون ولا كيف يحققونه ولا يدرون أي مستقبل ينتظرهم بعد تخرجهم، وكيف سيواجهون مجتمعهم.
ويأتي التحول الثالث عبر شخصية طارق(أحمد حداد ) الشاب الأكثر عبثا ومرحا في المجموعة والذي يعلن صراحة انه حاول ان يتدين لمدة شهر وفشل لأن مشكلته هي "النسوان" والأفلام الاباحية ، وفي أحد سهرات المجموعة المعتادة ينزل طارق من السيارة لشراء بضع زجاجات من البيرة ويسرع في عبور الشارع ليتناول سيجارة مخدرات من أصدقائه ولكن سيارة تصدمه ويسقط مغرقا في دمائه أمام أعين رفاقه ليردد وهو يتطلع الى السماء :"خايف...خايف..خايف أقابله".
يفيق الأصدقاء الثلاثة على موت زميلهم ليحاولوا الابتعاد عن ماضيهم واتخاذ طريق اكثرالتزاما ولكننا نكتشف-ولا نفاجأ- ان تدينهم كان وقتيا فقط فهو كأشياء اخرى في حياتهم جاء سطيحا ويفتقر الى العمق ولم يتجاوز الاستماع الى بضع شرائط لعمرو خالد.
"ندور في دوائر":
يبدو الفيلم قرب نهايته وقد دار بنا دورة كاملة ، فمنة تتزوج بمدربها الرياضي ويرقبها حازم من بعيد بعين الندم وتنفصل مي عن احمد لعدم قدرتها على تحمل كذبه عليها ، وكما بدا محمد مصطفى فيلمه بمشهد في مدينة الملاهي ينهيه بمشهد مماثل في نفش المكان ولكن عجلة الملاهي هذه المرة تتوقف فجأة ليبقى الشبان الثلاثة معلقين بين السماء والأرض طارحين سؤالا على الجميع :" انتوا هتسيبونا متعلقين كده؟"
ان فراغ الشباب ليس فراغ أوقات كما يشير عنوان الفيلم بل فراغا على كافة المستويات ، فهو خواء روحي تسبب فيه الخطاب الديني الحالي وفراغ سياسي تسبب فيه "تمييع" كافة القضايا السياسية والاجتماعية وفراغ ثقافي، فأغلب الشباب لا يقرؤون سوى الكتاب الجامعي المقرر عليهم بل وأحيانا لا يقرؤونه أصلا بل يكتفون ب"ورقة دروس" يقومون بتصويرها من بعضهم البعض.
مشكلة الفيلم الرئيسية في رأيي هي التعميم فالشريحة التي اختارها الفيلم من ابناء الطبقة الوسطى لا يمكن القول أنها تمثل كافة الشباب المصري بل ان الفيلم بذلك يكرس اتهامات لطالما كيلت الى الشباب واثبت الحراك السياسي في مصر في العامين الأخيرين على الأقل عدم صحتها."أوقات فراغ" فيلم قد تتفق معه وقد تختلف ، قد ترفضه وقد تقبله ولكن سيبقى أنه فيلم مغلف بالصدق والتلقائية من أوله الى أخره
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment