Thursday, September 07, 2006

قالوا هنعدل الدستور


وصلتني هذه الرسالة عبر البريد الاليكتروني من احد الأصدقاء وهي محاولة لمعرفة أهم البنود التي سيتضمنها التعديل الدستوري المزعوم والمرتقب ولأن الرسالة قيمة بالفعل والموضوع هام فضلت أن اشرككم جميعا فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم

التعديل الدستوري و الهدر التام للحقوق و الحريات


عندما ألقى مبارك خطابه الشهير في 26 مارس 2005 و الذي أعلن فيه تقدمه لتعديل المادة 76 من الدستور حمل هذا الخطاب سبعة مبادئ أتضح فيما بعد أنها المبادئ السبعة العبقرية التي استطاعت أن تُخرج إلينا نظام انتخابي أسوأ من نظام الاستفتاء الشخصي المعيب المعمول به لنصف قرن ، بل أكثر من ذلك خرج من تحت هذه المبادئ أسوأ نص دستوري ليس فقط في كل دساتير العالم الحاضر ، بل في التاريخ الدستوري بأثره ( الوصف لأكبر أساتذة القانون الدستوري المصري عبروا عنه في مناسبات كثيرة ) . و ما يعنيني في هذه التذكرة القريبة هو ردود الفعل على خطاب مبارك هذا ، فبينما سارعت كل التيارات السياسية بلا استثناء إلى الإشادة و الشكر فإنهم لم يقرأوا الخطاب بما يستحقه من تمعن وقتها و بالتالي بدلاً من أن يستعدوا لمواجهة الأسوأ كانوا قوة دفع للوصول إلى هذا الأسوأ ، و تناسى الجميع أن هذا النظام قد شاخ على منهج واحد لم يتغير و من المستحيل أن يتغير بعد ربع قرن . و ذات الأمر تكرر يوم عرض مبارك ترشيحه في خطاب المنوفية الثاني أيضاً فيما يتعلق بإلغاء حالة الطوارئ و رغبته في إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب ( على تفصيل سيأتي بحثه في رسائل لاحقة ).

ذات الأمر يتكرر مع الأسف بصورة أقل و لكن أخطر فيما يتعلق بمقترحات تعديل الدستور التي بدأ مبارك بالفعل خطواته لإقرارها . و الخطورة أن معركة تعديل الدستور إذا ما تمت وفق المخطط المباركي ستعني نهاية تامة لأشباه الحريات التي أتى بها دستور 71 أو التي بُنيت عليه .

و دون تفصيل قد يطيل و يشق على الكثير فإنني الآن سأكتفي بالعرض العام على أن أخصص لكل جزء من أجزاء التعديل ما يستحقه من بحث في كتابات لاحقة.

في هذا العرض فإنني أعتمد على التقارير التي أُعدت في مجلسي الشعب و الشورى عن التعديلات الدستورية و ما تم نشره من تقارير عن هذه التعديلات بالصحف الحكومية .

التعديلات التي يتم الإعداد لها ، بالرغم من كثرة المواد المراد تعديلها ، فإنها يمكن وضعها تحت سبعة عناوين رئيسية لكل منها أهدافه الخاصة المراد تحقيقها .
أولاً : تعديلات خاصة بإلغاء الطابع الاشتراكي للدولة و لكن باستثناء النصوص الخاصة بنسبة الخمسين بالمائة عمال و فلاحين ( و المواد المقترح تعديلها في هذا الإطار هي المواد 12 – 24 – 30 – 33 - 59 – 73 – 173 – 179 ). و إذا كان إخراج النصوص الاشتراكية يتفق و المنطق الصحيح إلا أن الإبقاء على هذه النسبة لهو الأكثر شذوذاً . فهل الإبقاء عليها سيكون الطعم الذي وُضع لليسار المصري أم أن هذه النسبة تحقق مكاسب للنظام في الإبقاء على إدخال فئة معينة من الجهلة الذين لا يمثلون لا عمال و لا فلاحين و أغلبهم من كبار الأثرياء ؟
ثانياً :التخفيف من بعض اختصاصات رئيس الجمهورية بنقلها إلى اختصاصات رئيس مجلس الوزراء و الوزراء ( و ذلك بمراجعة المواد 74 – 144 – 145 – 146 – 156 ) . و يمكن تبرير هذا الموقف بمتابعة الكم الهائل من السلطات و الاختصاصات الممنوحة لرئيس الجمهورية و التي يعجز حتى مجلس الوزراء مجتمع من القيام بها ، فهو تقريباً رئيس لكل مجلس أعلى في مصر.
ثالثاً : تحويل مجلس الشورى من مجلس استشاري إلى مجلس له بعض الاختصاصات التشريعية و الرقابية ( و ذلك بتعديل المواد 194 و 195 ). و هذا التوجه يحتاج إلى كثير من التفصيل في نشأة هذا المجلس و اختصاصاته و حقيقة دوره ، سيأتي بحثه لاحقاً بإذن الله .
رابعاً : إدخال تعديل يوفر للنظام أساس دستوري لهدر الحريات الذي سيأتي به قانون الإرهاب (قانون إرهاب و ليس مكافحة الإرهاب ) ، و المادة المستهدفة في الغالب ستكون المادة 41 من الدستور . و هذا التعديل له أهمية خاصة جداً ، ذلك أن هذا القانون كان السبب الرئيسي في التوجه لتعديل الدستور لتأكيد ترزية النظام أن هذا القانون سيكون مآله حتماً عدم الدستورية إذا لم يتم تعديل الدستور ذاته لتحقيق هدر الحريات بنص دستوري و ليس بمجرد قانون . و بعد أن استقر الرأي على حتمية هذا التعديل بدأ التفكير في بقية التعديلات.
خامساً : تعديل النصوص المتعلقة بنظام الانتخابات لتحقيق أمرين : الأول هو وضع نسبة محددة للمرأة في المجالس المختلفة ( علشان نرفع رقبة طنط سوزان بين أخواتها الفضليات الأخت رانيا الأردن و كمان الريسة الفاضلة لورا بوش ) و تحديد نسبة من المقاعد لفئة معينة من الممكن أن يكون موضوع نقاش ، و لكن الأولى أن تجرى أولاً انتخابات نزيهة حتى نعرف أولاً ما هي الفئات الضعيفة التي تحتاج تحديد للنسب . أما الأمر الآخر فهو أحد أهم التعديلات و هو النص على نظام القائمة في صلب الدستور بعد عجز الترزية الخايبين للنظام في وضع نص قانون لهذا النظام الانتخابي لا يخالف الدستور ، و بالتالي و بذات الطريقة الخائبة وجدوا ضآلتهم في وضع هدر الحقوق و الحريات في صلب الدستور . و هذا التعديل الأخير هدية خاصة جداً للإخوان المسلمين ، لأن النظام منذ بداية حكم مبارك كان لديه القناعة أن هذا النظام الانتخابي هو الوسيلة المثلى للقضاء على الإخوان المسلمين على الساحة السياسية ، و لا يجب أن يقلل أي شخص من قوة هذه الضربة على الإخوان المسلمين إذا ما تمت فعلاً . و المواد المستهدفة في هذا التعديل ستكون هي المواد 87 و 162 .
سادساً : إلغاء الإشراف القضائي على الاقتراع في الانتخابات و الاستفتاءات بتعديل المادة 88 من الدستور و النص صراحة على عدم إشراف القضاة على اللجان الفرعية ، أي عدم إشرافهم على كل العملية الإقتراعية . و سيضاف إلى ذلك إعادة تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية بما يضمن إبقاء السيطرة على السلطة القضائية . و سيتم إلغاء المدعي العام الاشتراكي و لكن مع توزيع اختصاصاته .
سابعاً : على الرغم من كل التعديلات الكارثية السابقة إلا أنني بحق توقفت كثيراً عند هذا البند و آثرت تركه لآخر البحث ، ذلك أنني حتى الآن لا أكاد أصدق أن النظام وصل به العجز لهذا الموقف حتى يعدل نص دستوري مخصوص لحبس الصحفيين . و كل ما سأفعله أن أنقل لكم نص التقرير فقط : " أشار التقرير إلى ضرورة تعديل المادة 40 من الدستور ( خطأ في التقرير لأن المادة المقصودة هي المادة 47 و لكني آثرت نقل التقرير بنصه ) لإعادة النظر في مدى كفاءة العقوبات المقيدة للحرية و العقوبات المالية المقررة في جرائم النشر في حالة تعرضها لسمعة العائلات و الأعراض و تحقق التوازن بين الحياة الخاصة للمواطنين و حرية التعبير " . لمن لا يعرف فإن الدستور بالفعل قد أولى الحماية الكاملة للأعراض و الحياة الخاصة ... الخ و بالتالي الهدف الواضح جداً من هذا التعديل هو إهداء الصحفيين نص دستوري يقنن حبسهم و يضفي الحماية الدستورية على هذا الحبس .

بعد هذا العرض أجده لزاماً علي أن أوضح نقطة تخفي على الكثير بما فيها بعض رجال القانون الذين لا يكلفون أنفسهم عبء البحث و القراءة ، هذه النقطة هي أنا المحكمة الدستورية العليا لا تبحث دستورية نص دستوري ، ذلك أن ا لمنازعة الدستورية هي منازعة بين نص أدنى ( قانون أو لائحة ) للنظر في مدى مخالفته لنص أعلى منه ( النص الدستوري ) و بالتالي إذا أُقرت هذه التعديلات لن يكون هناك أي مجال للطعن فيها بأي صورة من الصور .

بعون الله تعالى سأخصص رسالة خاصة للتعليق على منهج هذا التعديل و سأخصص بعدها لكل نقطة بحث أو أكثر لتوضيح حقيقة الكارثة التي سنبتلى بها و سنشاهدها كعادتنا بمجموعة مؤتمرات و خطب و بضعة مظاهرات و كلام فارغ من كل التيارات السياسية دون أن نقوى على وضع حد لهذا الفجر السياسي الذي يقوم به هذا النظام بكل تبجح .

حفار
للاطلاع على نصوص الدستور المصري يمكنكم قراءتها هنا

No comments: