Monday, June 01, 2009

الحاج متولي الأمريكي


في عام 2001، عرض التلفزيون المصري مسلسلا اجتماعيا بعنوان "عائلة الحاج متولي" اثار جدلا واسعا في الشارع المصري في حينه لتناوله واحدة من اكثر القضايا الاجتماعية حساسية وهي قضية تعدد الزوجات.
حيث قدم الفيلم شخصية الحاج متولي (جسدها الفنان المصري نور الشريف) تاجر الأقمشة الثري الذي يجمع بين أربع زوجات ويسكنهن في منزل واحد مع أبنائه وبناته من كل منهن.
وفي حين حظي المسلسل باهتمام واسع من قبل الجمهور، أثار انقساما في تلقيه بين مؤيد ومعارض لكيفية تناوله لهذه القضية الشائكة ، ففي حين رحب داعية إسلامي معروف هو الدكتور يوسف القرضاوي بالمسلسل معتبر انه يمثل "انتصارا للأصالة على التقليد"!، لاقى المسلسل انتقادات واسعة من كاتبات وناشطات نسويات مثل الكاتبة المصرية فريدة النقاش التي انتقدت طريقة تصوير المسلسل للمرأة المصري ة إضافة إلى ما وصفته بزرع المسلسل لوهم في عقول الشباب بأنهم "يمكنهم تكوين ثروة طائلة عبر الزواج من الأرامل"!
وفي عام 2006، كان جمهور أخر هو الجمهور الأمريكي على موعد مع عمل درامي لا يقل جرأة ولا إثارة للجدل عن "الحاج متولي" ويتناول نفس القضية (تعدد الزوجات) وهو المسلسل التلفزيوني "الحب الكبير big love".
فالمسلسل الذي بدأ عرضه عام 2006، ويراه الجمهور حاليا من خلال شبكة mbc الفضائية، يتناول هذه القضية في اجواء اكثر حساسية من المجتمع المصري، فتعدد الزوجات في الولايات المتحدة محرم قانونيا ودينيا على حد سواء.
إلا إن المسلسل ليعرض لحالة نادرة هي أسرة بيل هنريكسون (الممثل الأمريكي بيل باكستون) الذي يدير محلا للأجهزة والأدوات المنزلية، ويعيش حياة مستقرة مع زوجته باربرا ( الممثلة المخضرمة جين تريبلهورن) وأبنائهما.
الا ان ما لا يعرفه الجميع عن اسرة بيل هي انه في الحقيقة ينتمي الى عقيدة دينية غامضة، لم يفصح المسلسل عنها ابدا، تبيح له تعدد الزوجات، وانه متزوج في واقع الأمر من كل من جارتيه نيكوليت (كلوي سيفيني) ومارجين(الممثلة الشابة جينيفر جودوين بطلة فيلم "انه لا يحبك")
ويعرض المسلسل لأسرة بيل التي تضم 3 زوجات مختلفات في السن والشخصية والطباع إضافة إلى سبعة أبناء تتفاوت أعمارهم من المراهقة كما في حالتي سارة (الممثلة الشابة اماندا سايفريد بطلة الفيلم الغنائي ماما ميا) وبين (الكندي دوجلاس سميث) اللذان يمران بمرحلة النضج والبلوغ مرورا بالتوأمين الصغيرين واين وريموند والصغيرة تانسي وصولا الى اهارون وليستر ونيل وهم ابناء بيل من الزوجة الثالثة مارجين.
والمسلسل، وان كان لم يصرح باسم الكنيسة التي يتبعها بيل والتي تبيح ما لا تبيحه أي كنيسة أخرى في الولايات المتحدة من حصول الرجل على أكثر من زوجة، الا انه يلمح من وقت لأخر إلى الكنيسة المورمونية والتي كان تبيح تعدد الزوجات حتى العام 1890 حين أصدرت قرارا بتحريمه واعتبار من يمارسه خارجا عن الكنيسة.
وبدلا من ذلك فإن المسلسل يطرح ديانة متخيلة يؤمن بها بيل ويمارس شعائرها مع أسرته ، خاصة وأن والد بيل كان احد مؤسسيها.
وعلى العكس من الحاج متولي ، فإن بيل لا يستطيع أن يجاهر بزيجاته المتعددة حتى لا يقع –هو وأسرته- تحت طائلة القانون، فهو يخفي الأمر عن الجميع باستثناء صديقه وشريكه في العمل جويل، وتضطر زوجاته إلى التظاهر أنهن جيران لا أكثر حتى لا يثيروا انتباه احد إلى لقاءاتهم اليومية في بيت إحداهن.
ويفرد المسلسل مساحة خاصة في كل حلقة لمائدة العشاء التي يلتف حولها كافة أفراد الأسرة من بيل إلى زوجاته الثلاثة إلى الأبناء السبعة جميعا ، حيث تكون بمثابة تفريغ لما حدث خلال يوم كامل من مشكلات في العمل او في المنزل على حد سواء.
ومن الطريف حقا، أن المشاهد العربي سيلاحظ على الفور أوجه التشابه بين الحاج متولي ونظيره الأمريكي بيل من حيث نمط الحياة التي يحياها كلاهما في ظل تعدد الزوجات والتي يعرضها المسلسل بشكل كوميدي في بعض الأحيان.
فحياة الزوجات تتقاطع وتتداخل بشكل غريب ، فنحن بصدد ثلاث زوجات يحببن نفس الرجل ، هن وان تنوعت واختلفت شخصياتهن، فإنهن يحرصن على إبعاد خلافاتهن عن ببل وفي بعض الأحيان إخفائها عنه.
وعلى طريقة "الليلة يا عمدة" التي عودتنا عليها السينما المصرية، فإن بيل يواجه صعوبة في تحديد أي بيت يجب أن يبيت فيه نظرا لتقسيمه أيام الأسبوع بين زوجاته الثلاثة،ففي إحدى الحلقات على سبيل المثال ، يذهب بيل إلى منزل زوجته الثالثة مارجين لتفاجئه بالقول "إنها ليلة نيكول" وحين يذهب إلى الزوجة الثانية فإنها تبادره "بدلت ليلتي مع باربرا" فيعود بيل إلى منزل الزوجة الأولى ليجد طفلته نائمة بجوارها ، فينتهي به الحال إلى النوم على الأريكة وحده!
كما يعرض المسلسل لطبيعة الابناء الذين ينشأن في ظل تعدد الزوجات، فالابنة سارة المراهقة تواجه مشكلة نفسية عميقة في القدرة على التكيف مع حقيقة ان اباها متزوج من نساء اخريات غير والدتها ، وهي وان اطلعت صديقتها المقربة على حقيقة اسرتها، فإنها تجعلها تعد بالا تخبر أحدا أبدا عن هذه الحقيقة أو كما تخبر صديقتها :"بالنسبة لك وللعالم بأسره ، فإن لي أبا واحدا وأما واحدة فقط"
لتستمر حياة سارة متأرجحة بين كتمان سر أسرتها والرغبة في البوح به.
والحال كذلك أيضا بالنسبة للابن بين الذي يعاني من اضطرابات نفسية مع بلوغه سن المراهقة، لعل أبرزها تساؤلاتها المستمرة عن كيف يدير علاقته مع الجنس الأخر، ولعل ما يزيد هذا السؤال إلحاحا في ذهن بين هو نشأته في بيت به ثلاث زوجات لأبيه، فهو لا يشعر بالراحة حين تعرض عليه نيكوليت أن تغسل له ثيابه، كما يلوم نفسه حين ينظر بإعجاب إلى مارجين ، زوجة ابيه الثالثة التي تقاربه في السن!
وبشكل عام، يمكن القول إن الميزة الأساسية لعمل درامي مثل "الحب الكبير" هو أنه يظهر بشكل واضح ان ظاهرة "تعدد الزوجات" ليس قاصرة على ثقافة بعينها او ديانة بعينها كما يحاول البعض أن يصور ، كما أن المسلسل يظهر من يمارسها لا كشخصيات غير سوية كما درجت بعض الأعمال السابقة بل كنماذج إنسانية يمكن للمشاهد أن يتعاطف معها ويتوحد مع مشاعرها، ويسعى المسلسل لإيصال رسالة مفادها أن تعدد الزوجات ليس ظاهرة قدرية ولا ظاهرة شريرة ، بل ظاهرة اجتماعية لها اسبابها التي يجب التعامل معها ومحاولة الحل المشكلات الناتجة عنها.

5 comments:

micheal said...

تصدق كلامك عن المسلسل شوق لواحد يشوف حكاية ميتو الأمريكاني ده
تحياتي

لبنــــــــــى said...

انا شفت كم حلقة من المسلسل و ذكرني بحلقة لبرنامج اوبرا حكت عن هاي الطائفة و معتقداتها و هي بالفعل موجودة باميركا مش من اختراع الكاتب

تايه في وسط البلد said...

أعجبتني شروخ كثيرا

وأتمني لو يتأتي لك ان تبدع بعض النصائح او الحلول

أما بالنسبة للمسلسل فانا لا استغرب طبيعية الشخصيات في مثل هذا الاطار

بل أستغرب استسهال تفشي الرذيلة وابناء السفاح عن ان يتم الطلاق بين زوجين لا يتألفان

تحياتي

خيرالدين said...

نشوفه وبعدين نعلق

...
kelmagamila@yahoo.com
عاوز اكلمك يا استاذنا

Maryama Qandil said...

تسلم على البوست ده فعلا,,,

فعلا المسلسل "big love" ومسلسل "الحاج متولي" متقاربين في الهدف من العمل الدرامي ده
واكيد "انتصارا للاصالة على التقليد"
بس للاسف المتفرجين مش كلهم على وعي بكافة النواحي بالمسلسل
زي الاضرار وحالات التلقيد الي حصلت بعد مسلسل الحاج متولي دون وعي او ادراك للمعطيات,,,

بس نقول ايه...نعيش ونشوف